05/12/2024
في عصر تطور علوم الإعلام والاتصال، لم يعد مقبولا من النخبة ما رددته طويلا حول إبعاد الجماهير الشعبية عن شؤون الثقافة.
لقد آل إلى غير رجعة زمن احتكار قضايا المعرفة من لدن فئة صغيرة ظلت تدَّعِي مسؤولية رعاية الفكر الوطني وتوجيهه.
ومن يصنفون أنفسهم ضمن (النخبة) يتجاهلون بترفع وغرور أن هذا المد الإعلامي المفتوح في عالم اليوم، فجر وعيا ثقافيا جديدا في أوساط فئات واسعة من المتعلمين منهم تأسست جمعيات نشيطة في القرى والمدن تسهم بجهودها في مجالات اجتماعية وفكرية في المهرجانات والندوات والأحزاب التي تنظمها.
ومما لاشك فيه أن الإعلام المفتوح حطم جدارا سميكا كانت (النخبة) تحتمي وراءه، حفاظا على مراكزها في الواجهة، تعاند بشدة ما أصبح من المسلمات، وهو أن الإعلام توأم الثقافة، كلاهما يكمل الآخر من أجل تعميق الوعي، المدني والديمقراطي وترسيخها في وجدان الجماهير الشعبية، ومن أجل مجتمع مغربي قارئ، ولو أنها مهمة صعبة في بلد أكثر من نصف شعبه لا يكتب ولا يقرأ.
والآن، ونحن نواجه أخطر مرحلة من مراحل التحدي مرحلة الإقلاع الشامل، التي تستدعي تجنيد كل الطاقات المادية والبشرية دون استثناء، فلا مناص من التأكيد وبكل موضوعية أن السبب الذي يمكن أن يعوق هذا التحدي هو أننا نحن أولا وأخيرا.
إن زمن التهافت المبتدل، والخطاب الاستهلاكي، والسلوك الوصولي قد ولَّى، ولا سبيل إلى تجاوز هفوات الماضي إلا بتخطي هامش التلكؤ، واختلاق الأعذار والمبررات الواهية لدى طبقة المفتشين خاصة.
لقد انتهى زمن الحجر الفكري والسياسي والثقافي، ولا عزاء لمن لا يقوى في المرحلة الراهنة على إدراك أننا مقبلون على انتقالة كبرى لها مالها، وعليها ما عليها، حيث لا يجدي المال ولا السلطة ولا الجاه.
والمسؤولية التاريخية قد تقع اليوم على عاتق طبقة المثقفين عبر وعيها أكثر بأهمية الإعلام في تحرر المجتمعات وتنويرها بقضاياها المصيرية.
وباعتقادي، فإن ذلك لن يتأتى إلا بنضال هذه الطبقة بهدف التصدي لتلك الأصوات النشاز والمتواطئة ضد التحرر الفكري والسياسي دون هوادة، والإيمان بأهمية العنصر الثقافي كعامل أساسي ومحوري في دعم توجهها الساعي إلى النهوض بالحقل الإعلامي في بلادنا وكمدخل هام لنشر الوعي الشامل، والانعتاق من رواسب الجهل والتخلف.
وحين ينصرف المسؤولون عن الثقافة عبر مختلف الدوائر والمؤسسات، عن هذا الواجب الأصيل من واجباتهم ليهتموا بأغراض خارجة عنه أو مناوئة له وعندما تسود عقليات (السوق) وأخلاقها على الفضائل التي يتوجب على المثقفين حمايتها ورعايتها، لن يعود لهم أي مسوغ لوجودهم، أو أي وظيفة خاصة بهم يمارسونها ويطلبون من المجتمع احترامها وأداءها حقها من التقدير والمكافأة.
إن شؤون الثقافة التي يفرض فيها أن تدافع عن الحقيقة وأن ترعاها داخل المجتمع قد اندحرت اليوم، وأصبحت تستدعي إشارة جس المثقفين لمسؤوليتهم الأولية في هذا المضمار، ومطالبتهم بأن يكونوا أمناء على مهمتهم الأصيلة في احترام الحقيقة ونقد الذات والسلوك وفق مبادىء الأخلاق التي تنطوي الثقافة الحية الصحيحة عليها.