منطقي أن يبحث السيد رئيس الحكومة عن المؤشرات الإيجابية لنصف ولاية الحكومة التي يترأسها ليزين بها حصيلتها في بادرة تحسب له وتندرج في إطار التواصل بمقتضى الدستور مع النواب والمواطنين، ومنطقي كذلك أن يختار الكلمات بعناية ويتبجح بحصيلة الحكومة وهو يبسط تباعا بعض ما أنجزته حكومته ليُقنع النواب و المواطنين بتنفيذه للوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، ولكن، أليس حريا برئيس الحكومة أن يسأل نفسه ومعه أعضاء حكومته: أين انعكاس كل هذه الإنجازات والحصيلة الإيجابية لحكومته حسب تعبير مكونات الأغلبية على المعيش اليومي للمواطن؟ وأين كل المؤشرات التي تضمنها تدخله في صراع عموم المغاربة مع الغلاء، وتدهور جودة الحياة وتراجع قدرتهم الشرائية في جل ربوع المملكة؟ وأين هي تجليات العدالة الإجتماعية والمجالية بين المغاربة ونحن نشهد أقبح توسع للفوارق الإجتماعية وازدياد للهوة بين أغنياء البلد وفقرائه بحسب تقارير وطنية ودولية آخرها تقرير أوكسفام؟
أسئلة تغاضى عنها السيد رئيس الحكومة وهو يناور ليتحاشاها مُروجا لتحسن الوضعية الإقتصادية للبلاد وانعكاس ذلك على الحالة الإجتماعية للمغاربة وتقديم مؤشرات أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها نظرية وسطحية تروم تلميع صورة الحكومة في ظل تردي أوضاع المغاربة وتزايد الفوارق بين أبناء الوطن واستفحال الهشاشة والفقر وبروز إحساس جماعي بعدم جدوى إجراءات الحكومة ومخططاتها. إجراءات الحكومة التي حاولت من خلالها تلميع صورتها لدى الرأي العام تخفي بالإضافة للإنشقاقات الداخلية التي تنخر تماسك التحالف الحكومي واقع مر يخيم بسواده وتدهوره على أحوال كل المغاربة. الحكومة بتشبثها بإيجابية أدائها رغم مؤشرات التنمية البشرية السلبية التي تعكس بجلاء عكس ما تضمنته حصيلة العمل الحكومي تظهر بوضوح تعنتها في الإساءة لذكاء المغاربة بإظهار وجهها القبيح بمظهر الحسن وتغطية عورتها وعورة برامجها أمام الراي العام.
ما تفضل به السيد رئيس الحكومة لا يرقى لمستوى السياسات العمومية في مفهومها الحديث المبني على النتائج. تلك النتائج التي يتغير معها مستوى عيش المواطنين وتتحسن قدرتهم الشرائية بفضل نجاعة إجراءات الحكومة وتعزيز مبادئ دولة الحق والقانون التي تحقق سمو القانون ومساواة المواطنين أمام الحقوق والواجبات. كل ذلك لا يلمسه المواطنون بشكل فعال في مدى سعي الحكومة للتفاعل الإيجابي مع متطلبات حياتهم ولا في إرادتها لتكريس العدالة الإجتماعية وتحسين الخدمات الإجتماعية المقدمة للمغاربة ولا حتى في نيتها توزيع ثروات البلاد بشكل عادل ليستفيذ منها الجميع حسب الإستحقاق لا حسب الولاءات ومستوى الضغط الممارس عليها.
لغة الأرقام التي اعتمدتها الحكومة في تقديم حصيلتها لا تعكس بإخلاص الواقع كما يعيش يومياته المغاربة ولا آثار إجراءاتها على معيشهم اليومي. ودليل ذلك الهوة التي تفصل بين أرقام الحكومة وبين عجزها عن تحسين جودة التعليم العمومي وكذا الخدمات الصحية وخفض معدلات البطالة التي تفاقمت وازدادت معها متاعب الشباب المغربي وتراجع الخدمات الإجتماعية على أرض الواقع. وكل ذلك له تفسير واحد مرتبط بسوء توزيع الثروة ببلادنا وبتركيز الحكومة على ضعفاء هذا البلد ومن تتحكم في مصدر رزقهم كالأجراء والموظفين لتنفيذ أجنداتها في مقابل صمتها وتغاضيها عن ملفات كبيرة لا تقوى على فتحها خوفا وتجنبا لضغط اللوبيات. وكدليل صارخ على ذلك ما يُستنتج من طريقة تدبير الحكومة لمف المحروقات الذي يظهر بشكل جلي عجزها عن مجابهة لوبياتها و تغليب كفة المصالح السياسية والإقتصادية لشركات المحروقات على مصالح المواطنين.
وإذا كانت الحكومة تتدخل للمحافظة على التوازنات الماكرواقتصادية وتتبجح في حصيلتها بتحسن مناخ الأعمال وبارتفاع الاستثمارات الأجنبية ببلادنا، فأن ذلك لا ينعكس على مؤشرات التنمية البشرية بشكل إيجابي. بل أكثر من ذلك، يمكن القول بأن هذه الأخيرة توحي بأن لا شيء تغير وبأن دار لقمان لازالت على حالها، ليبقى مكمن الخلل عصيا عن الحل وعن اكتشاف الوصفة السرية لمواجهته.
كل ما قدمه رئيس الحكومة في الحصيلة النصفية للحكومة لا يمكن أن يشفي غليل المغاربة. لأن ما يهم المواطنين بالدرجة الأولى هو تحسين قدرتهم الشرائية والشعور بتحمل الحكومة بكل مكوناتها لمسؤولياتها تجاه حماية قدرتهم الشرائية وتحسين أوضاعهم المعيشية وليس الخطابات والأرقام. لأن ثقتهم في المؤسسات والدولة رهينة بتحسن أحوالهم وباهتمام هذه الأخيرة بهمومهم وبمتطلباتهم دون تمييز ولا تقصير.